علم نفس

مدونة تعنى بعلم النفس, يحررها محمود زيد

منذ أن يُنهي الطالب العربي تعليمه الثانوي يخرج إلى محيط يرفض أن يستوعبه ويحتويه , فتراه يبحث عن عمل ليجمّع نقودا قليلة علّه يفلح في تمويل تعليمه الجامعي في السنة الأولى وربما الثانية إن أمكن ولكنّ إيجاد عمل معقول ليس بالأمر الهين , ولكنّ الطريق ما زالت طويلة فيبدأ هذا الطالب بالتفكير في تعلّم الطب , وإذ به يصطدم بتحديد لعمر القبول في أغلب الجامعات فيسجّل للجامعتين الخارجات عن هذا التحديد وهما الجامعة العبرية في القدس والتخنيون , وإذ بعقبة أخرى أمامه وهي القاصمة في أغلب الأحوال وهي سلسلة مقابلات تستمر لساعات طويلة في يوم واحد , هذا طبعا كله بعد ضمان علامات تلامس سقف السماء في شهادة البجروت وإمتحان البسيخومتري . بعد هذا العناء هناك أربع حالات متوقعة : الأولى أن يُقبل الطالب وهو إحتمال شبه مستحيل , الثانية أن يُرفض فيتقدّم مرة أخرى في السنة القادمة , الثالثة أن يُرفض فيغيّر موضوع التعليم , والرابعة وهي الأكثر إنتشارا وهي أن يخرج ليحقق حلمه الطبي خارج دولة إسرائيل . فما هو غرض هذه الدوامة ؟! وهل هي تنمُ عن حكمة معينة ؟!
إذا أردنا أن نتحدّث عن تحديد جيل القبول للجامعات , فلماذا هذا التحديد ؟! وهل هو وفقا للمعايير النفسية المعروفة ؟! دولة إسرائيل تتغنى بأنها في تحديدها الأعمار فإنها تحاكي الدول المتحضّرة , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل التقليد الأعمى هو الصواب أم هل هي حجة أقبح من ذنب ؟! علاوة على ذلك , فإنهم يدعون أنّ الشاب حتى جيل معين لا يكون ناضج بشكل كاف ولا يكون منخرط في الحياة العملية . في هذه النقطة بالذات يمكن أن يكون إدعاؤهم فيه شيء من الصحة ولكن ما هو السبب في ذلك ؟ الجواب هي تربيتهم الرقيقة , وسيأتي التفصيل إن شاء الله . لكن هل علم النفس الحديث يتّفق مع تحديد جيل القبول بسبب عدم النضوج النفسي ؟!
وفقا لعالم النفس بياجيه وبحسب نظريته للتطور الذهني فإنّ المرحلة المتقدمة في التفكير تظهر من جيل 11 فما فوق , حيث يصبح التفكير منطقي وغير محسوس ويصبح الإنسان قادرا على فحص فرضيات بصورة مركبة ومنظّمة ويصير يفكر في أفكار مجرّدة ومثاليات وتفكير بالمستقبل . في هذه المرحلة أيضا ينشغل الإنسان بمعضلات أخلاقية ( דילמות מוסריות ) وبالتفكير بالقيم مثل الحرية والصدق على مستوى كل المجتمع . فرويد وضع خمسة مراحل لتطور الإنسان ولكنّ النقطة الملفتة للنظر أنّه شدّد على التطوّر الأولي وعلى السنوات الأولى لحياة الطفل بحيث أنّ شخصيته تكون كاملة في جيل الثامنة عشرة , كذلك عالم النفس بولبي ومن خلال نظرية "الإتصال" ادعى أنّ إنشاء رابط إجتماعي آمن مع الطفل هو الأساس للتطوّر السليم ومثله قال عالم النفس وينيكوت . لذا يمكن الإستنتاج والقول أنّ علم النفس اليوم يركّز على التطوّر في السنوات الأولى وعلى التربية المبكرة , ولا نكاد نجد تيارا أو نظرية تتحدث عن قفزة نوعية من جيل 18 حتى جيل 20 . لا شك أنّ هناك تطوّر معين خلال سنتين ولكن يمكن القول أن التطور يستمر طول الحياة وذلك بسبب عامل أساسي ومهم وهو الذي يميز بين إنسان عمره 18 سنة وإنسان عمره 40 سنة وهو كمية التجارب الحياتية ( ניסיון חיים ).
في الجانب الأول سنركّز الحديث لماذا هذه السياسة غير منطقية ولا تتماشى مع إستناتجات علم النفس . أولا , هم يدعون أن الشاب يحتاج لفترة حتى ينضج ولكن السؤال الذي نطرحه هنا : كيف عرفتم أنّ جيل النضج هو جيل العشرين ؟! وهل بحوزتكم أبحاث علمية تثبت وجود جيل محدّد وغير قابل للتغيير للنضج ؟ ثم إنّ هناك إختلاف في قدرات الإدراك والتفكير والمهارات الإجتماعية وبنية الشخصية بين أبناء نفس الجيل , فلماذا ينتظر الطالب المتفوق في كل المجالات الإجتماعية والتعليمية وقتا لا معنى له , افتحوا المجال لهذا الطالب وسيريكم قدراته وعندها تحكمون عليه . بالإضافة إلى ذلك , كيف يدّعون أنّ جيل النضج عند الذكر هو ذاته عند الأنثى ؟! الأبحاث أثبتت أنّ هناك فروقا بين مبنى المخ عند الجنسين , وكذلك كلنا يعلم أنّ النضج عند الأنثى يكون عادة أسرع من عند الذكر لذلك فلربما يجب تحديد جيل مختلف للإناث .
ثانيا , إذا كانوا يدعون أنّ أصغر طالب طب يجب أن يكون 20 سنة , فلماذا في مواضيع أخرى علاجية مثل التمريض , علم النفس , صيدلة ومواضيع أخرى كثيرة لا يوجد تحديد للجيل ؟ هل مهنة الطب هي فريدة من نوعها ؟ إذا كانت كذلك أثبتوا لنا , لأنّ البينة على من ادعى وهذا أحد أسس البحث العلمي كذلك . ثالثا , لماذا في بعض الجامعات هناك تحديد للجيل وفي جامعات أخرى لا يوجد تحديد للجيل ؟! هذا إن دل على شيء فإنما يدل على سياسة عنصرية عشوائية تحاول منع الطلاب العرب من الوصول إلى مقاعد الطب بسهولة , فهل يُعقل أنّ طالب الجامعة العبرية مُهيأ لدراسة الطب في حين أنّ طالب جامعة تل أبيب يحتاج لفترة حتى ينضج ؟! وهل يُعقل أنّ هناك حالات نفسية مختلفة في نفس الدولة ولذا نجد اللا توافق بين الجامعات ؟! هذا يقول إذاً أنّ هذا التحديد لا ينبع من فقدان الجهوزية النفسية وإنّما لأسباب سياسية كما يبدو .
رابعا , ظاهرة تحديد الجيل هي أكثر وسعا مما نتخيّل وهي لا تنحصر فقط في التعليم ولكن يمكن أن نصادفها في كثير من إقتراحات العمل وأحيانا كثيرة يكون الجيل المحدّد أكبر , وكثيرا ما نستصعب ويستحيل على العاقل أن يجد علاقة منطقية بين العمل وتحديد الجيل , وأحيانا أخرى تُضاف إلى هذه العقبة عقبة قاصمة أمام الشاب العربي وهي الخدمة في الجيش وبذلك وكأنّهم يقولون لا نريد عربا في هذا العمل .
لكن الجانب الثاني للقضية هو هل الطلاب العرب مؤهلون فعلا للدخول إلى الجامعات في أي موضوع كان وليس حتما في موضوع الطب ؟ إن كان طلابنا فعلا مؤهلين فلماذا نشهد ظاهرة تسرب لا مثيل لها في العالم العربي عادة ؟ ولماذا يشهد الطالب العربي صعوبات لا حصر لها في سنوات التعليم وربما رسوب سنة أو أكثر ؟ المشكلة الأولى هي في نظام التعليم المدرسي الرقيق فليس هكذا هم أحفاد محمد ! الطفل يبقى طفلا حتى جيل متأخر نسبيا وربما هذه إحدى تأثيرات التربية الروسيانية* , فيبقى يشاهد أفلام الكرتون ويضحك ويمرح ويلهو دون تنمية الشخصية الإسلامية , العقلانية , والقيادية فيه منذ الصغر , وبذلك يتخرّج الطالب العربي من ثانويته مع تفكير سطحي غير نقدي وغير منتج , وربما يكون ساذجا وبريئا بعض الشيء . هذا النظام التعليمي هو ليس من بنى القادة الشباب أمثال أسامة بن زيد وليس هو من يبني الرجال البواسل . ولكنّ المشكلة التي تُضاف إليها هي أنّ التربية المحيطة بالطالب ( العائلة مثلا , حركات إجتماعية وإصلاحية ) في أغلب الأحيان لا تعوّضه النقص المدرسي , فيصل الطالب إلى السنة الأولى الجامعية فيصيبه وابل من الصدمات وربما لا يستطيع الصمود أمامها , ويدخل برجله اليسرى وهو ضائع بين تخصص وآخر . لكن يجب أن نؤكّد أنّ هذه المشاكل الموجودة عندنا هي أيضا من صنع النظام الإسرائيلي ولذا فلا يحقّ لهم أن يستعملوها كحجة واهية لتحديد جيل للقبول , وبالمقابل واجبنا أن نعي هذه التربية الرقيقة فنقطع الطريق على كل من يدّعي أنّ الطالب العربي يحتاج إلى فترة من النضوج .
لذلك المشكلة الجوهرية تكمن في أنّ النظام العربي والإسلامي لا يتلائم مع النظام الإسرائيلي رغم كل هذه السنين من محاولات التوفيق بين الإثنين . وفقا للنظام العربي والإسلامي , فإنّ الزواج هو المؤسسة الشرعية الوحيدة ولا يوجد مصطلح "الصديقة" , وبما أنّ الزواج في هذه الأيام مرتبط عادة بعرض عدد من الممتلكات ( مثل شهادة جامعية أو مهنة مستقرة , بيت جاهز وغيرها ) على أهل العروس حتى يقبلوه زوجا لإبنتهم , فهنا يحدث الصراع لأنّ النظام الإسرائيلي هو نظام يعمل على مهل أما الإنسان العربي فإنه منشغل في ترتيب أموره للسير وفقا للمتّفقات الإجتماعية وهي الزواج , أما كثير من أبناء الشعب اليهودي لا يهمهم متى ينهون تعليمهم ومتى يتزوجون لأنّ الصديقة حاليا تكفيهم ولذا فإنّهم ليسوا في ضغط مستمر .
أما فيما يتعلق بمقابلات الطب ( المور والمركام ) فهي تزيد الطين بلة ببساطة , وهي بدعة إستحدثتها دولة إسرائيل لكي تنخّل الطلاب المتسجّلين للطب ولتمتلك القوة في التحكم بمصير كل طالب وبمصير كل فئة . على سبيل المثال , إمتحان المور يتكوّن من قسمين أساسيين : الأول يوم خاص بتعبئة إستمارات والثاني يوم خاص لسلسلة مقابلات . القسم الأول ينقسم إلى قسمين أيضا : الأول وهو إستمارة عن حياتك الشخصية والثاني وهي إستمارة تحوي مُعضلات أخلاقية ( דילמות מוסריות ) . أما قسم المقابلات فيتكون من ثماني محطات : قسم منهن مع مجموعة وقسم لوحدك في مقابلة وجها لوجه وقسم آخر لوحدك مع ممثل يستدعي منك أن تمثّل معه ( סימולציה ). بعد الإمتحان بشهر تقريبا يبعثون لك إجابة إما بالقبول أو الرفض أو الإندراج في قائمة الإنتظار , ولكن السؤال الذي يُطرح هو كيف سيعرف الطالب أين نقطة ضعفه وأين كانت مشكلته إن كان الإمتحان يحوي كل هذه المركبات والجواب لا يحوي علّة عدم القبول ؟! هل هذه تجارة بأموال الناس علما أن تكاليف الإمتحان تزيد عن الألف شيكل أم أن هذه سياسة للماطلة بمصير الطالب العربي علما أنّ الإمتحان هو سنوي ؟!
ثانيا , السؤال التالي هو ما هو مدى قدرة هذا الإمتحان على تنبّؤ قدرات الطالب ( מהימנות של המבחן ) وإمكانيات نجاحه المستقبلية ؟ من المعروف أنّ هناك أخطارا كثيرة تحيط بأداة المقابلات منها : الطابع الأولي ( רושם ראשוני ) وهو الطابع الذي يتلقّاه الممتحن من أول نظرة ولكن كثيرا ما يكون مُغّلطا لأنّ الطالب في أول دقيقة يكون ربما مرتبكا وإما لم يدخل بعد في جو المقابلة . بالإضافة إلى ذلك , كل العوامل التي تحيط بالممتحن والتي يمكنها أن تؤثّر على مزاجه من شأنها أن تغيّر النتائج , فمثلا إن انكسرت كأسا في وقت المقابلة فإنّ عصبية الممتحن تؤثّر على نتائج التقييم وربما على نفسية الطالب نفسه , ومثال آخر هو إذا كان الطالب السابق أحسن قدرات فإنّ ذلك يجعل التقييم نسبي للسابق فيأخذ تقييما أقل إن كانت قدراته أقل من سابقه .
ثالثا , مشكلة أساسية تواجه الطالب العربي بالذات في مثل هذه المقابلات هي عدم التمكّن من الحديث باللغة العبرية بطلاقة , وعلى كل حال مهما بلغت قدرة الطالب العربي في الكلام فإنّها لن تتجاوز مستوى لغة الأم . هم يدعون أنّ اللغة لا تؤخذ بالحسبان عند التقييم ولكن نقول أنه يكفي التأثير النفسي للغة , فعندما يشعر الطالب العربي أنّ الآخرين يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسلاسة فإنّ هذا يعمل حاجز خوف وربما يحطّم آمال الطالب من البداية . أضف إلى ذلك , فإنّ الثقافة اليهودية ( תרבות ) والعادات تختلف عن الثقافة العربية ومن أجل فهم ثقافة الغير يحتاج الطالب لمعاشرة الشعب الآخر وقتا يسيرا .
ومن هنا يمكن التلخيص بأن نقول , أنّ هذه العقبات الثلاث "تحديد جيل القبول حتى العشرين , المور والمركام" لا تحظى بتأييد في عالم النفس بل عليها إمتعاضات كثيرة , وهي تنمُّ عن تمييز وتفضيل لصالح أبناء الشعب اليهودي , ولكن يجب الإنتباه أيضا إلى جهوزية الطالب العربي للتعليم الجامعي .

يتسائل كثير من المسلمين وغيرهم ,  لماذا يتجرّد المعتمرون والحجاج من ملابسهم فيرتدون أبسط الثياب ؟! وما هي الحكمة والغرض من هذا الطقس الديني وما هي آثاره على النفس الإنسانية ؟! وما هي إسقاطاته على العلاقات الإجتماعية ؟! والحقيقة أنّ الأمر يظل مبهما حتى يدخل في واقع حياة الإنسان وعندها يعرف الشخص ضرورة هذا اللباس وفائدته الملموسة .
لنأخذ تجربة السجن المصطنع المشهورة لعالم النفس فيليب زيمباردو لكي نفهم الفكرة : وفقا للتجربة التي جرت في جامعة ستانفورد سنة 1971 , قام زيمباردو بتقسيم جمهور المشتركين إلى سجّانين أو مسجونين بصورة عشوائية , وشدّد على تقليد الوضع الطبيعي بكل أبعاده إن كان في لباس السجّانين والمسجونين وإن كان في مبنى السجن وإن كان في الأدوات التي حصل عليها المشتركون , إلا أنّ المذهل في الأمر أنّ السجّانين قاموا بالتنكيل بالمسجونين رغم معرفتهم أن هذه مجرد تجربة , وكذلك فإنّ المسجونين أنفسهم أظهروا بوادر إكتئاب وضغط نفسي رغم درايتهم أنهم في سجن مصطنع . يجدر الإشارة إلى أنه تم إيقاف التجربة الفظيعة بكل معنى الكلمة بعد ستة أيام , ومثل هذه التجارب لا تحظى بموافقة لجنة الأخلاق ( ועדת אתיקה ) في هذه الأيام.
فما هو تفسير هذا التصرف الغير منطقي للناظر فيه ؟! وما الذي دفع بمن يعلم أنه في تجربة لأن يتصرف وكأنه في وظيفة رسمية ؟! الجواب يكمن في أنّ الإنسان الناظر يختلف إختلافا جوهريا عن الإنسان المُشترِك , فذاك الذي دخل في التجربة ولبس ثياب السجّان أو المسجون وشعر أنّه في سجن حقيقي , فإنه في حالة نفسية مختلفة عن المشاهد عن بعد . المصطلح العصري لهذه الحالة يسمّى بالإنخراط أو الإندماج في الوظيفة أو الدور ( כניסה לתפקיד ) وهو يعني أن تعيش الدور الملقى عليك بكل تفاصيله من ناحية شعورية وتنفيذية.
نأخذ أمثلة أخرى من الحياة اليومية ونقول إنّ العامل المشترك لهذه الأمثلة كلها هو الزي الموحّد الرسمي , ولكنّ هذا الزي على بساطته فإنّه يساهم مرارا وتكرارا في الإنخراط في الوظيفة . المثال الأول هو مثال اللواتي يصفهنّ الأدباء والشعراء بملائكة الرحمة لأنهن بيض الثياب , نعم نحن نتحدّث هنا عن فئة الممرضات والممرضين والأطباء والطبيبات الذين يتميزون عن غيرهم بلباس موحّد مميّز فلا يكاد يختلِف كبير أو صغير في تشخيصهم . هذا اللباس يرمز إلى الطبيب المساعد , المخلص لعمله , المخلّص لمريضه من سقمه والمعالج المؤهل لفهم داء المريض ومن ثم تقديم الدواء . المثال الثاني هو مثال الجيش العسكري , فلا يمكن أن ترى جنديا واحدا يخرج بلباسه عن المفهوم ضمنا , وأمثلة أخرى كثيرة في هذا الصدد مثل : المحامون , القضاة , طلاب المدارس , وغيرها من الألبسة المتفق عليها في إطار المجتمع الضيق أو الرحب كلباس الإحرام في إطار الأمة الإسلامية .
إذا ما عدنا إلى فلسفة الإحرام فإننا نجد عدة تفسيرات وإسقاطات نفسية لمثل هذا اللباس الموحّد المميز . أولا, لباس الإحرام يمتاز بلونه الأبيض ومن يظن أن ليس لهذا اللون تأثير ضمني على النفس الإنسانية فإنّ تفكيره في منئ عن الحقيقة , لأنّ الحقيقة أن اللون الأبيض عندما تراه محيط بجسدك وترى الآخرين حولك في لونهم الأبيض , فإنه يطلق إشعاعات قوية إلى نفسك وروحك بأن يا نفس كوني بيضاء كلباسي , وأن يا قلب تحرر من سوادك وحقدك وضغينتك إلى بر الطهر والنقاء والصفاء , وأن يا إنسان هذه ورقة جديدة بيضاء تلفّ جسدك فأحسن فهمها وتقديرها ولا تملئها بالخطايا المنتنة الموسخة ! يمكن أن نقول أنّ هذا الرابط العجيب هو رابط الروح والنفس بالجسد ورابط العالم المادي بالعالم الروحاني , ولهذا نحن نتكلم هنا وفقا للفرضية أنّ بين الروح والجسد هناك تأثير ثنائي متبادل , وبنظري فإنّ هذه الفرضية بدأت ترجع إلى العلم بعد غيابها في القرن الماضي وخصوصا في أوروبا بعد عصر النهضة . نعطي مثالا لهذا الرابط في كلامنا اليومي وبالتحديد الدعاء المشهور : اللهم نقّني من خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس ! هذا مثال صارخ للتشبيه والمقاربة بين العالم المادي وعالم النفس الروحاني . 
ثانيا, لباس الإحرام هو لباس بسيط يسوّي بين الفقير والغني والملك والخادم والأمير والعبد , ولهذا فإنّه يحطّم جميع الفروقات الإجتماعية الطبقية ويعرض الناس كلهم في شكل واحد , وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على عدل الإسلام وأهمية قيمة المساواة بين أفراده . أنت عندما تشاهد أخاك في هذا اللباس لا تعرف عنه معلومات كثيرة إضافية سوى أنه مسلم وقادم إلى مكة لأداء عمرة أو حج , وعندما تتكلّم مع أخيك تتكلّم معه على أساس فرضية واحدة : أنه مسلم , ولذا فإنك لا تميز من أعلى منك قدرا ومن أقل منك , ومن هنا فإننا نصل إلى النقطة الثالثة , وهي أنّ لباس الإحرام من شأنه أن يقوّي الأواصر الإجتماعية بين المسلمين وبناء الصف المرجو كالبنيان المرصوص وتوحيد الأمة المتفرّقة . هذا الشعور بالمساواة والإنتماء إلى نفس المنبع لا يمنعك من أن تباشر أيا كان يقف أمامك بالحديث , أو أن يتعامل الفقير البائس مع أكبر تجار العالم لأنّ حقيقة كلاهما في هذا الموقف متساوية .
رابعا, لباس الإحرام يُشعر الوافدين إلى الرحمان بفقرهم وحاجتهم وضعفهم أمام الخالق جل وعلا . من طبيعة النفس الإنسانية أنها تحب السكينة والخلود والبقاء والسيطرة , ولكنّ المشكلة أنّ هذه الأوهام بعيدة عن الواقع , وإذا ما أردنا أن نوظّف علم النفس لمصلحتنا فإنّ علم النفس لا يريد ولا يسعى إلى أن يعيش الإنسان في هدوء وخيال مريح , وإنما على العكس من ذلك فإنّه يريد مساعدة الإنسان على مواجهة الواقع وإن كان مرا وتخطي الصعاب ومع هذه المواجهة أن نعيش بتوازن نفسي . غريب حال الناس عندما يتنكّرون لمصيرهم وحالهم المستقبلي ويفضّلون حياة الخيال واللا واقعية . أنت يا إنسان ضعيف أمام الرب وأمام عظمة الكون وهذا ليس سرا وهذا ليس تفكيرا سلبيا لأنّ هذه هي الحقيقة وهذا الضعف هو نسبي ولا يعني إنعدام الطاقات , إذا فالبطولة أن تعرف كيف تستغل قواك وكنوزك العظيمة مع العلم بضعفك أمام الخالق ! أنت يا إنسان حتما ميت في يوم من الأيام لذلك ليس من التفكير الإيجابي الهروب من هذه الحقيقة ونسيانها لأننا عند ذلك نسخّر علم النفس لنسيان واقع الحياة وليس لمواجهة الواقع والتكيف معه والتأقلم مع مره وحلوه . العلم الحديث يتحدّث عن نظرية بإسم terror management theory والتي تقول أنّ التصرف الإنساني مبني على الخوف من الموت . لذا فإنّ لباس الإحرام هنا يلعب دورا مهما بأنه يذكّرنا بحقيقة الحياة ويزيل الضباب عن واقعها , فتراه يقول لنا أنت يا إنسان عبد لله , فقير إليه , تحتاج لرحمته وكرمه وعفوه ورضاه , وربما يقول أحدهم أنّ هذا تمسكن وتذلل وإبطال للثقة بالنفس وإلغاء للشخصية القوية فله نقول : هذه هي الحقيقة والحقيقة المرة خير من الوهم المريح , للإنسان قدرات عجيبة ولكنها محدودة أيضا بحكم كونه عبد لله , فهل لك يا إنسان أن تمنع موتك ؟! هل لك أن تمنع جلطة دماغية أو قلبية ؟! هل لك أن تمنع زلزالا أو تسونامي أو إعصارا أو بركانا ؟! هل لك أن تعرف متى هو يوم موتك وماذا ستكسب غدا ؟! تيار كبير في علم النفس الحديث يدعي أنّ التمركز بإلغاء الألم في الحياة يضاعفه أضعافا كثيرة ويجعله عناء , ولذا يجب أن نفهم أن الألم جزء من الحياة والغرض من العلاج هو لكي نواجه مشاكلنا وآلامنا بحكمة فنحقق أهدافنا المرجوة في هذه الدنيا .
خامسا, لباس الإحرام يعكس نظاما وأيديولوجية إسلامية وحضارة وثقافة دامت قرونا , وهو يعكس قوة نفسية في الظهور أمام كل الناس بلباس مميز مخالف للباس العادي المهندم , ولكن يمكن أن نقول أن الـ conformity  أي الخضوع لتأثير مجموعة المحرمين شديدة ولذا يشعر الفرد بـ de individualization  وهو أن يشعر الفرد بفقدان هويته الشخصية والإمتزاج مع المجموعة . علاوة على ذلك , فإنّ بين كل فئة من الناس تجد رموزا إجتماعية أو دينية أو تربوية متفق عليها إلا أنها غير جلية للناظر من بعيد أو غير ملفتة لنظره , ولذا حتى نفهم ثقافة فئة معينة علينا أن ندخل إلى أعماقها ونعايشها وندرسها لأنّ هذه الرموز تكون عادة مفهومة ضمنا لأبناء الفئة نفسها ولذا فهم لا يتكلمون عنها كثيرا .
سادسا, لباس الإحرام يربطنا بالماضي التليد والمستقبل العتيد . هذا هو هدي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ونحن عندما نقتفي أثره فإننا لا نتبع ما ألفينا عليه آبائنا وإنما نتبع ما تواتر إلينا من تصرف حبيبنا ورسولنا ونبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . إذا كان محمد عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا فإننا سنطيعه وسنأتمر بأمره وسننتهي عن نهيه ونأخذ عنه ديننا وهو في هذه الحالة المثل الأعلى لنا ولذا فإننا دائما نطمح لأن نرقى إلى مستواه . من ناحية نفسية فإنّ هذا الإرتباط ينتج طاقة نفسية لأني ابن أعظم البشر , وكذلك فإنه يحفّز للعمل من أجل الإقتراب من المثل الأعلى . لذلك فإنّ لباس الإحرام يذكّرنا بماضينا وبحضارتنا وبنبع ديننا وهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , وكذلك فإنّه يزرع الأمل في النفوس ويكشف قوة هذا الدين عندما ترى كل تلك الوفود المتجردة من الدنيا طلبا لرضى الرحمان , ولذا فإنه يرسم مستقبلا مرتقبا لعودة عز الإسلام والمسلمين عما قريب .
سابعا, كما أسلفنا فإنّ للإنخراط في العمل أهمية كبيرة في نجاعته وبمساعدة هذا اللباس الرامز إلى العبادة الفريدة من نوعها يبدأ الإنسان بالتحضّر والتهيأ للعمرة أو الحج وذلك مع أول خطوة وهي الإحرام , ولذا فهي تشكّل عاملا ضروريا للدخول في الأجواء وبالتالي الإنخراط في العبادة العملية بكل أبعادها . بكلمات نفسية , هذا اللباس ينتج لنا priming أي رمز وتحضير لزيادة التكيف والإنسجام مع القادم الجديد .
ثامنا, لباس الإحرام يقول لنا أنه ليست هذه الدنيا هي النعيم المنتظر وليس اللباس الأنيق هو الأهم ولكنّ الأهم هو جوهر الإنسان وقلبه وجوفه وداخله وعقله ويقينه وإيمانه , فهذه هي العوامل التي تأخذه إلى نعيم عالم الخلود وليس اللباس الأنيق ولا السيارة الفخمة ولا القصر الملكي ولا ملايين الدولارات , هذا اللباس الذي يشبه كفن الموت يقول لكل من غرّته الدنيا أنه سيرقد غدا في القبر ولن ينفعه ماله ولا ولده إلا عمله الصالح . من ناحية نفسية الإنسان يحتاج إلى رابط يدوم معه في كل وقت وحين وفي كل مكان وإذا فكّرنا في أي شيء في عالم الماديات فإنّه يعجز عن تلبية هذه الحاجة , ونصل إلى أنّ الرابط الوحيد الذي يدوم هو صلة العبد بخالقه , هذا الرابط يدوم إذا افتقدنا الأهل والأصحاب وإذا افتقدنا المال وإذا افتقدنا نفس الحياة , ولذا كان علينا حتما أن ننميه ونستهلك أنفسنا في تقويته , ولكنّ العجب مما أحدث الناس أنّ أغلبهم نسيه أو يتناساه إما لجهل وإما لفهم خاطئ وإما لتسويف وإما لأسباب أخرى تافهة . المشكلة أنّ النفس الإنسانية تركن إلى اللذة الآنية ولذا كان واجبا أن نسخّر العقل لتنظيم شهوات النفس , وباللغة الفرويديانية علينا أن نسخّر الـ super ego في سبيل ضبط وليس كبت الشهوات الإنسانية , وهذا يعني أن نضعها فيما أحلّ الله ومنعها مما حرّم فليس الإسلام يمنع معاشرة النساء ولكنّه يحث عليها في مؤسسة الزواج وليس يمنع جمع المال ولكنّه يدعو إلى كسب الرزق الحلال وليس يمنع الحب , ولكنّ النقطة المهمة أنّ هذه الأمور لا يجب أن تكون غايتنا الأولى والأخيرة وجلّ إهتماماتنا وإنما هي مهمة ولكن هناك أهم وهو الجانب الروحاني , فكل البشر يأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون أما إذا أراد الواحد أن يخلّد ذكره ويصنع تاريخا فعليه أن يبذل طاقة في غير هذه الحاجات الأساسية .
خلاصة القول أنّ لأبسط الأمور هناك تأثير ضمني على النفس الإنسانية ولكننا كثيرا ما نعيش الحالة الإجتماعية دون أن ندرك كيف دخلنا إلى هذه الحالة , وكيف استطعنا فعل المهمة رغم عظمها في نظرنا في مرحلة التوقّع , وكيف استطعنا الخروج من أثر الحالة بكل سهولة . ختاما, في هذه المقالة تمّ عرض بعض الآثار النفسية للباس الإحرام وما هي الحكمة النفسية من ورائه من وجهة نظر مجرّب . والله أعلم .

بسم الله الرحمان الرحيم , الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . إخوتي وأخواتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , صراحة الواحد منا عندما يقف أمام الجماهير العربية والإسلامية في هذه الأيام يحتار من أين يبدأ وعن أي شيء سيتحدث خاصة وأننا في عصر الثورات والإنفتاح الفكري والصحوة الإسلامية المباركة . ولكني اخترت من بحر العلوم ومن محيطاتها أن آخذكم في رحلة ترفيهية بين صفحات كتاب رب البرية من خلال قراءة نفسية وعلمية علّنا نخرج من روتين وصخب الحياة إلى عالم النفوس المطمئنة . يقول ربنا جل في علاه بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , بسم الله الرحمان الرحيم : " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ", يقول إبن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : أي : تطيب وتركن إلى جانب الله ، وتسكن عند ذكره ، وترضى به مولى ونصيرا وبالمقابل ماذا يقول العلم الحديث ؟ وماذا يقول الغرب الجاحد عن ما فهمه المسلمون قبل قرون ؟ لقد أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن الأشخاص الملتزمين هم أكثر سعادة ومن هنا فإن الغرب يعترف بأفضلية التدين , هذا في الحياة الدنيا فما بالكم بمن ينتظره نعيم الآخرة وسعادتها الأبدية . الإنسان في حياته يحتاج إلى محرك ودافع يعطيه الطاقة والوقود ليستمر في مسيرة تغشاها الصعاب والأتعاب ولكن إذا تواجد ذلك الأمل فإنّ الإنسان يندفع بقوة الهمة والعزيمة تماما كما أن السيارة في مسيرها تحتاج إلى وقود لتتحرك . هذا يرتبط أيضا بتحديد أهداف واضحة ومبادئ ولذا فإن المعالجين النفسيين يسألون أحيانا مرضاهم : كيف تريد أن يذكرك الناس بعد أن تموت ؟ لذلك اليوم من لا يضع نصب عينيه أفقا وأحلاما مستقبليه فإنه يبقى في الوراء وربما تتبعثر شخصيته بين شهوة وأخرى . يعني إذا أردنا أن نأخذ مثالا قضية الأعراس فهل يتصرف الناس وفقا للمركب الإسلامي في شخصيتهم ؟ لا ورب الكعبة ! لا والأنكى من ذلك أنهم صاروا يشغلون الأغاني العبرية ! يعني لا وطنية ولا دين ! بالله عليكم يا جماعة نحن الآن نتكلم عن أشخاص مبعثري الشخصية : تقول أنت مسلم وتخالف الإسلام ؟ تقول أنت عربي وترقص على طرب اليهود ؟ هؤلاء يندرجون تحت مصطلح الفيلسوف جون لوك "لوح أملس" وهؤلاء لن يغيروا في المجتمع شيء لأنهم عاجزون عن تغيير أنفسهم أصلا .
لكن السؤال الذي يطرحه كثير من الجاهلين هو لماذا نضيع أوقاتنا في تحفيظ وحفظ القرآن في عصر ينتشر فيه العلم والمعرفة انتشار النار في الهشيم ؟ إذا كنا أناسا واضحي الأهداف فما هو هدفنا من مشروع الحفظ في عصر التفكير ؟ ( يسأل الكثير ) لكن المشكلة الأدهى أنه عندما يسألنا أحد العلمانيين أو أحد المتفلسفين أسئلة كهذه نقف عاجزين عن الإجابة أو أننا نجيب إجابة غير مقنعة وبذلك لا نكون ممثلين جيدين لحمل الرسالة القرآنية ! أقول أن لحفظ القرآن أثر كبير في النفس الإنسانية وفي تهذيبها وإبعادها عن المنكرات فعندما يذكر الإنسان أن صدره حامل للقرآن يتنبه لعظيم الأمر ويرتدع عن مخالفة أمر ونهي القرآن لأن نفسه اللوامة تمنعه . العلم الحديث يتحدث عن نظرية بإسم הדיסוננס הקוגניטיבי : وفقا لهذه النظرية فإن بني الإنسان يسعون في أغلب الأحيان إلى المحافظة على توازن بين عالمهم النظري والعملي . لتقريب الصورة فإن كل إنسان يخطئ ومن رحمة الله علينا أن جعل في أنفسنا طرقا نستطيع بها تخطي خطئنا والإستمرار في نهجنا السابق فمثلا يقول الإنسان في نفسه : هذا قضاء الله وقدره أو كان هذا الخطأ للحظة غضب وغيرها من التبريرات حتى نحافظ على قوتنا النفسية . بالإضافة إلى ذلك فإن حفظ القرآن يساعد الإنسان على تأكيد وتعميق العنصر الديني في هويته وهو عندها قادر بإذن الله على مواجهة غيره من التيارات الفكرية ومحاججتهم . فكيف سيصمد المسلم أمام المسيحي أو اليهودي أو غيرهم أثناء حوار ديني ؟ ألا يحتاج إلى لغة القرآن للدعوة إلى الإسلام ولكي يظهر عمق ثقافته الدينية ؟ قد يقول أحدهم أحفظ قليلا من الآيات وإذ بي أكبر داعية إلى الله عز وجل ولكن الخلل في هذا الإدعاء أنه يغيب عن أذهاننا أحيانا أن من يقف أمامنا قد يكون أعلم منا بديننا وربما يربكنا في مسألة لم يحيط بها علمنا الضئيل فما أحوجنا إخوتي في الله إلى رفع مستوى الثقافة الدينية وتنمية الفكر الإسلامي وليس عيبا أن نأخذ ما ينفعنا من علوم الغرب ونطوره . أنا أرى أن ضعف ثقافتنا يجعلنا ننبهر بغيرنا وننبهر بآراء مادية وماركسية ما أنزل الله بها من سلطان . أحد المساقات عندنا في الجامعة العبرية كان يحوي 300 طالب وكالعادة فإن أكثر من 90% من طلاب المساق هم طلاب يهود ولكن الغريب في الأمر أن اسم المساق هو : "דת האסלאםאמונה ופולחן" .
لفتة أخرى هي عندما يقول مولانا جل وعلا : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" . نقل البغوي في تفسيره عن الكلبي أنه قال : وَسَطاً ) يعني : أهل دين وسط ، بين الغلو والتقصير ، لأنهما مذمومان في الدين ( . الإنسان يتواجد على محور يمتد من التقصير ويمر بالوسط ويستمر حتى التطرف وأنا أشبّه هذا الحال بمبنى الكرة الأرضية فالقطب الشمالي والجنوبي برد قارس أما في منطقة الإستواء فالشمس دافئة والأمطار غزيرة والعيش وفير وهذا هو تجسيد لحال المسلمين المرتقب إذا ما ساروا على نهج الوسطية . أيضا ذلك ينطبق في الحياة اليومية وكلنا يعرف القول المشهور : "كل شيء لو زاد عن حده نقص" . كذلك الأمر في عالم النفس : نحن نريد أبنائنا جريئين ولكن ليسوا وقحين ولا خجولين , نحن نريد أبنائنا أكرم الناس لكن لا نريدهم مبذرين ولا بخلاء , نحن نريد أبنائنا مهذبين ولا نريدهم خنوعين ولا متمردين .
وقفة أخرى مع آية في سورة البقرة حيث يقول جل من قائل : "إن لا الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " . كثير من الناس يظنون أن الحياء هو الخجل ولكن في الحقيقة إن الخجل عكس الحياء ؟ فما هو الحياء ؟ وما هو الخجل ؟ سبب الخجل هو شعور بالنقص داخل الإنسان , فهو يشعر أنه أضعف من الأخرين وأنه لا يستطيع مواجهتهم حتى ولو لم يفعل شيئاً خطأ , وهذا مختلف تماماً عن الحياء فالحياء شعور نابع من الإحساس برفعة وعظمة النفس فكلما رأيت نفسك رفيعة وعالية كلما إستحييت أن تضعها في الدنايا فمن عنده حياء يستحي أن يزني أو يكذب لانه لا يقبل أن تكون نفسه بهذه الدنايا والخجول إذا أتيحت له الفرصة دون أن يراه أحد لفعل إذا فالخجل نقطة ضعف في حياة الإنسان ، لأن الإنسان يخجل من المطالبة بحقه أو أن يدلي بكلمة حق . ولكن كيف يتفق هذا الكلام مع الآية الكريمة , فالله سبحانه وتعالى يقول أنه لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ؟ إذا رجعنا إلى كتب التفسير نرى أن ابن كثير يقول في معنى هذه الآية :" أنه تعالى أخبر أنه لا يستحي أي لا يستنكف وقيل : لا يخشى أن يضرب مثلا ما , أي مثل كان بأي شيء كان صغيرا كان أو كبيرا " وهكذا نرى التوافق والتلاحم لا بل والإنسجام ما بين العلوم الإنسانية وكلام رب البرية . لكن إذا نظرنا إلى واقع الأمة العربية والإسلامية فإننا نلمس في ظاهرها خجلا ولكن في باطنها هناك فقدان للحياء . ماذا يعني هذا الكلام ؟ إذا نظرت إلى الأمة تراها أمة محافظة لا تقبل التغييرات في العادات والتقاليد فعلى سبيل المثال إن مشى الرجل وزوجته وأمسكو بالأيادي ترى الناس من خجلهم يستنكرون الفعل , في حين أن الصداقة بين الذكر والأنثى والعلاقات الخارجة عن الشرع منتشرة ومستفحلة في مدارسنا وشوارع قريتنا إلا أنها تبقى مخفية عن السطح لتتلائم مع طبيعة العقول العربية المحافظة . إذا ما هو الحل ؟ الحل هو أن تستغل طاقات الشباب والشابات وأن تفرّغ فيما يخدم إزدهار المجتمع الإنساني , الشباب من أهم عناصر المجتمع الإنساني فإما أن نوظّفهم في أماكن تليق بهم وإلا فلننتظر تحول كل تلك الطاقات العظيمة إلى وابل من الدمار . في ظل الثورات العربية , في الفترة الأخيرة نشهد وعيا وحراكا سياسيا ملحوظا في العالم العربي بأجمعه ولكن ما ينقصنا حتى اليوم هو حراك ديني وإحياء علوم الدين كما فعل الغزالي رحمه الله .
على القرآن والسنة أن يكونا نهج حياتنا وغذائنا ودوائنا , بدلا من تعاليم الغرب التي نتلقّنها من الإعلام الفاسد وإذا أردنا أن نقول أشياء عن تأثير الإعلام فلن ننهي حتى الصباح . زبدة القول أن القرآن الكريم يجب أن يرتبط بكل مجال حياتنا فكيف يكون ذلك ؟ علم النفس الحديث يتحدّث عن "الربط الكلاسيكي" "התניה קלאסית" وهي أن تربط عاملا حياديا بعامل آخر إيجابي فيصير العامل الحيادي إيجابيا هو كذلك . إذا أردنا أن نأخذ مثال حفلنا اليوم فهو يعكس هذه النظرية بأبهى صورها . كيف ذلك ؟ عندما يتغنّى الشبل من أبنائنا بقرائته للقرآن في الطبيعة وبين الأشجار وفي بيئة العالم الحر الطليق يصبح القرآن عنده مرتبطا بالراحة النفسية وبالأجواء الإيجابية المريحة , ولا ينحصر القرآن عنده بين جدران غرفته . ولذا علينا أن نتنوع في العبادات حتى لا تسئم النفوس وليس القصد أن نتنوع في الفرائض وإنما بالأمور التي فيها فسحة وما أكثرها , أنا أسمي هذا التنوع "التفنن في العبادة" وما أحوجنا لهذا التفنن في رمضان المقبل علينا فيوم أقرأ القرآن بعد صلاة العصر في المسجد ويوم آخر بعد الفجر في حديقة بيتي . ولك الحرية أن تتفنن وتبدع بعبادتك كيفما هداك الله .
الأمر الأخير وبه أختم إن شاء الله وهو أنه علينا أن نمنح أبنئنا مكرمات من فترة إلى أخرى ليس بكثافة وليس بصورة شحيحة وإنما وفقا لمنهج الوسطية كما أسلفت سابقا . هذه المكرمات من شأنها أن تكون مزوّدا للطاقة ومحفّزا للإستمرار وهي بناء على نظرية أخرى في علم النفس "התניה אופרנטית" والتي تدعي أن إعطاء تشجيع مع إتمام عمل معين فإن ذلك يزيد الإنتاج والعمل , والحمد لله فإن هذا ينطبق اليوم أمام أعيننا في حفل تكريم أبنائنا وبناتنا .
خلاصة القول أن الكلام يحلو معكم والعلم يزدهر عند إنصاتكم والعقل يتغذّى عند تفكّركم فما أحسن هذه الحفلات وما أطيب ريحها , وأختتم كلامي بشعر الإمام الشافعي رحمه الله عندما قال : " كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي... واذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي " . تواضع أخي في الله , فالتواضع يوّلد العمل والرضا عن النفس ناتجه الركود والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

*ترجمة وتنسيق : الطالب الجامعي محمود صابر زيد – كفرقرع
النظرية النفسية الإجتماعية لإريك إريكسون ( התיאוריה הפסיכו-סוציאלית של אריקסון )
لقد وضع إريكسون نظريته المشهورة هذه والتي قسّم بها حياة الإنسان إلى ثماني مراحل منذ ولادته إلى آخر أيامه وتكلّم عن صراع خاص بكل مرحلة والذي يتوجّب على الإنسان أن يحلّه في الوقت المناسب حتى يتسنّى له مواجهة التحدّي القادم بكل قوّة . شدّد إريكسون في نظريته على الجانب الإجتماعي ومن هنا جاء إسم النظرية ووفقا لأقواله فإن تطوّر الإنسان متعلّق ومتأثّر بمبنى المجتمع الذي ينمو فيه الإنسان وكذلك بقيم هذا المجتمع .
وهذه المراحل الثمانية هي كالتالي :
المرحلة الأولى : منذ الولادة حتى جيل سنة ( ثقة أساسية مقابل ارتياب وشك )
في هذه الفترة يتعلم الطفل أن يثق بالآخرين الذين يسدون حاجاته لأنّه في هذه المرحلة بالذات هو عاجز عن تلبية حاجاته بنفسه ويحتاج إلى مُعيل , وعند ذلك يطوّر الطفل شعور بقيمة ذاته وأنّ له كيان منفرد عن أمّه . لكن , إذا لم يتلقَ الطفل الحنان والعطف ولم يجد من يهتم بتلبية رغباته فإنّ ذلك يضع الطفل ضمن دائرة الخطر وهناك إحتمال كبير بأن يطوّر شخصية مرتابة لا تثق بالآخرين لأنّ أقرب الناس إليه لم يمنحوه الحنان فكيف بالبعيدين كما أنّ الطفل يكوّن في رأسه نموذجا سيئا للعالم الخارجي ومهما يكن عندها الإنسان الذي يقف أمامه فهو يعتقد أنّه لا يريد مساعدته ولا يُضمر له خيرا .
المرحلة الثانية : من جيل سنة إلى ثلاث سنوات ( الإستقلالية مقابل الخجل والشك )
الولد الصغير في هذه المرحلة يتعلّم مهام جديدة ومنها وأهمّها السيطرة على قضاء حاجاته وأيضا التقيّد بقواعد المجتمع فالولد يفهم أنّه عندما يريد قضاء حاجته فعليه الدخول إلى المرحاض وليس إلى غرفة الإستقبال مثلا . يصبح الطفل قادرا على تنفيذ هذه المهام لوحده شيئا فشيئا وعند ذلك فهو يطوّر شعورا بالإستقلالية . لكن الطفل الذي لا يطوّر هذه الإستقلالية فعندها يبدأ بالشك بقدراته ولأنّه ليس كبقية الأولاد يصير خجولا .
المرحلة الثالثة : من جيل ثلاث سنوات إلى ست ( المبادرة مقابل التهمة )
الولد يوسّع مجال إستقلاليته فيبدأ بالمبادرة إلى ألعاب مع الأولاد الآخرين ويأخذ على عاتقه جزءا من مسؤولية البيت فمثلا يُغلق باب المنزل عند الدخول ويشتري أغراض لأمه وهكذا . لكن في حالة أنّ المبادرات الصادرة عن الطفل لا تنال إعجاب الآخرين لا بل يرفضونها عندها يمكن أن يتطوّر عند الطفل إحساس بالذنب . هذا الإحساس السيء بالذنب والتهمة يؤدي إلى تقليل المبادرات وربّما إبطالها تماما .
المرحلة الرابعة : من جيل 7 سنوات إلى 11 ( النشاط والحركة مقابل شعور بالنقص )
في هذه المرحلة يُضاف إلى أجندة الصغير مصطلح التعليم والمدرسة ولذا فإنّه واجب عليه أن يصل إلى سيطرة على مهارات أصعب أكثر وأكثر وبالذات في المجال الإجتماعي والتعليمي . الصغير الذي يصل إلى نجاحات في المجالين الإجتماعي والتعليمي يطوّر شعورا بالقدرة على السيطرة وثقة بالنفس . لكن الطفل الذي لا يستطيع السيطرة على المهارات المطلوبة فيمكن أن يشعر بالنقص والضعف وهذا يمكن أن يؤثر سلبا على مستقبله ويمنعه من تجارب جديدة في المستقبل .
المرحلة الخامسة : من جيل 12 إلى 18 ( هوية مقابل بلبلة بالوظائف )
وفقا للتجارب السابقة ومن هنا تأتي أهميتها فإنّ المراهق يطوّر شعور بأنّ لديه هوية متماسكة وشخصية متّزنة . الفشل في الوصول إلى هوية كهذه يمكنه أن يُودي بالمراهق إلى بلبلة في الهوية الشخصية وكذلك في إختيار مهنة ووظائف معينة في الحياة وعندها نسمع أسئلة مثل : من أنا ؟ وماذا سأكون ؟ ولماذا هي حياتي ؟
المرحلة السادسة : أُلفة ومحبة مقابل الوحدة
الإنسان في جيل الشباب يطمح إلى تكوين علاقة زوجية ومشاعر حب وإخلاص لشخص آخر من الجنس الثاني . لكن أولئك الأشخاص الذين استصعبوا تكوين هوية لذاتهم في المرحلة السابقة فهم معرّضون أكثر من غيرهم لصعوبة إختيار شريك حياتهم وتكوين علاقات حميمة معه ولذا فإنّهم معّرضون أكثر للشعور بالوحدة .
المرحلة السابعة : الإثمار مقابل الركود
وفقا لإريكسون , في هذه المرحلة تظهر رغبة بإنجاب جيل جديد وبذلك الدخول إلى عالم الأبوة والأمومة ومسؤولياتهما فتظهر مهام جديدة مثل تربية الطفل والحفاظ على إستقرار العائلة . عندما لا يظهر عند الإنسان إهتمام بالإنجاب يحدث عنده تراجع من فرصة الإثمار والإنتاج ويدخل إلى حالة ركود وتجمّد لأنّه يخالف قوانين الطبيعة بإستمرار النسل .
المرحلة الثامنة : إكمال المشوار مقابل اليأس
كبار السن يصلون إلى شعور بأنّهم أكملوا  المشوار بسلامة في حالة إذا ما استطاعوا النظر إلى ماضيهم وأيامهم السابقة التي قضوها في هذه الحياة ورأوا أنّها كانت حياة مليئة بالإنجازت وأنّهم قد أكملوا رسالتهم خلال سنواتهم القليلة . لكن إذا ما رأوا أنّ حياتهم كانت تافهة ومخيّبة للآمال فإنهم يشعرون باليأس .

بقلم : الطالب الجامعي محمود صابر زيد
هل سيطرت القطبية على فكرنا فلم نعد نبُصر حقيقة الوسطية ؟! أم هل نعتقد أنّ بروزنا وشموخ صوتنا لا يتحقق إلا بالإتجاه إلى الأقطاب ؟! وهل التيارات المتطرفة تستحوذ على قلوبنا وتشغل أذهاننا وتغزو وسطيتنا الضائعة ؟!
في هذه المقالة سوف أقوم بعرض نظرة في المجتمع العربي والإسلامي خاصة والتي تتعلق بتيارات التطرف والإعتدال أو ما يُعرف بالوسطية بالإضافة إلى إضفاء لمسة من لمسات علم النفس على هذا الواقع.
في بداية الحديث أودّ أن أوضّح أنّ مصطلح القطبية يوحي إلى التطرّف والإبتعاد عن خط الوسط. هذا الإبتعاد يمكن أن يكون من كلا الجانبين حيث أنّ القطبية هنا تعني إما المبالغة والتنطّع والإفراط وإما تعني الإستهتار والإستخفاف والتساهل. ولتقريب الصورة للقارئ أشبّه هذا الوصف بمنى الكرة الأرضية فكلنا يعلم أنّ الكرة الأرضية تحوي قطبين: شمالي وجنوبي وفي كلاهما برد قارس وضياء الشمس وإن وصل فإنّه يكون ضئيلا وحياة نصفها الظلام في حين أنّ وسط الكرة الأرضية عند خط الإستواء تسطع الشمس فيه بحرارة وقوّة والدفء مستشرس هناك. إنّ هذا التشبيه يعطي رمزا لمحور الحديث وهو مدح الوسطية ونبذ كل نوع من أنواع التطرف.
كلمة الوسطية أكثر من واضحة لنا ولكنّنا نتجاهلها أو لا نعرف كيف تكون في واقع الحياة أو أنّها لا تعنينا بتاتا مع أنّ الإسلام لطالما حثّ على الوسطية فقد قال تعالى في محكم تنزيله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً " وقول رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام: "خير الأعمال أوسطها". فلمّا كانت الوسطية من منهج الإسلام كان حقا على كل من نطق الشهادة أن يتوسّط في مسار حياته وإلا شدّته تيارات عاتية حتى يصل إلى الأقطاب.
إنّ الناظر في واقع عالمنا اليوم يرى ظاهرة غريبة وهي أنّك إذا أردت المُفرط فإنك تجد أمثلة لا حصر لها وأعداد متزايدة وإذا أردت نموذجا لمتساهل فإنّك تكاد تجد أعداد خيالية ولكنّك إذا أردت نموذجا لشخص وسط فإنك تحتاج إلى بحث يدوم أياما وليالي حتى تجد مرادك وربما يخيب أملك بعد إستقراء الشخص من النظرات الأولى والثانية والثالثة فتجده غارقا في قطبه . لا شكّ أنّ هؤلاء الأشخاص الوسطيين موجودون ولكنّ الإدعاء أنّهم ثلة قليلة من بين ألوف مألّفة . والأغرب من الظاهرة السابقة ظاهرة أخرى تصف إنتقال الشخص من القطب إلى القطب بقفزة نوعية دون عبور الجبال والمحيطات التي في الطريق أو حتى دون إلتفات وإهتمام للصورة الكاملة .
عندما أتكلّم عن الوسطية أعني في ذلك أن تُعطي وتأخذ وأن تحافظ على مبادئك وثوابتك وبنفس الوقت تتأقلم في البيئة المحيطة المتغيرة وتكون عنصرا فعّالا فيها فالكون يحافظ على ثوابته الكونية ومع ذلك نشهد تغييرات في حاله ليتلائم مع الوضع الحالي وبما أنّك يا إنسان جزء من هذا الكون الضخم فمن الطبيعي أن تتصرف كتصرف من هو أكبر منك وأعظم . والوسطية تقع ما بين الترغيب والترهيب والشدّ واللين والتبذير والشُّح وهي تتمركز في نقطة المنتصف على محور له إتجاه موجب وآخر سالب فإن زاد الشيء أو نقص فإننا نبتعد عن الحل الأمثل والطريق الصواب . بالإضافة إلى ذلك , فإنّ الوسطية تضع الإنسان في حالة توازن نفسي في عالم متعدد الأطر والمجالات والمحفّزات وتجعل منه عنصرا مرغوبا في المجتمع وتشركه في كثير من الإتجاهات .
ولكن ما يثير الفضول هو لماذا يتجه إذاً كثير من الناس إلى الأقطاب ويتركون الوسطية في ذاكرة النسيان ؟! للإجابة على هذا السؤال علينا أن ننتبه إلى أنّ واقع الحياة اليوم هو مركب جدا وهناك العديد من تيارات المدّ والجزر والشدّ واللين وهذا يضع الإنسان في دوّامة الحيرة وصعوبة الإختيار . لذلك تجد الكثير يسارعون بإنقاذ أنفسهم من تلك الدوامات بأسرع الطرق وأيسرها وإن لم تكن هي غاية وجود الإنسان خوفا على أنفسهم من الغرق والواقع أنّ جميعنا يسعى للخروج من تلك الدوامات ومن اللاسكينة إلى بر آمنٍ أكثر لنستطيع أن نتحرّر من التركّز بحالنا ونطلق فكرنا وفعلنا خارج كياننا الذاتي . لكنّ ما لم يفهمه كثير من الناس هو أنّ الخروج من هذه الدوامات يجب أن يُفضي إلى طريق الوسطية وليس إلى القطبية المستشرسة في عالمنا فالركون إلى أحد جوانب الحياة وإهمال الجوانب الأخرى هو يسير نسبيا ولكنّ البطولة هو أن تجمع بين الجوانب كلّها فتنجح في شقّ الطريق الوسط من خلالها ولتبسيط الأمور نشبّه الصورة بمن استفرد بدنياه دون أُخراه فكان من المتساهلين وحياته ساذجة لأنّه لم يرد أن يُدخل الآخرة في حياته فعاش في جانب واحد وترك الآخر وأما من استفرد بأُخراه دون دنياه فإنّه يعكس صورة ذاك الراهب القامع في صومته والذي لا يعرف إلا الجانب الروحي ولم يتذكر أنّ لبدنه عليه حق ونسي نصيبه من الدنيا فكانت حياته بسيطة وربّما لم يصل صداها إلى المجتمع الإنساني . لكنّ بطلنا هو من جمع بين الدنيا والآخرة فعاش بين مجتمعه الإنساني وحافظ على مبادئه وثوابته فهو قد اختار الطريق الأمثل وإن كان طويلا أو صعبا ولكنّه علم أنّه غاية الوجود الإنساني .
وإذا ما أردنا أن نوسّع الفكرة فربّما يكون الإتجاه إلى الأقطاب هو من أجل البروز والظهور السريع على مستوى المجتمع والعالم بأسره فالكثير يرون أنّ أحد مقوّمات الشهرة هو الإتجاه إلى القطبية لأنّ هذه الطريق تُحدث ضجّة إعلامية وتستهوي قلوب كثير من الناس لأنّهم سئموا ربّما العيش الطبيعي والتقليدي وأرادوا ما يحوي بداخله عنصر المفاجئة والإثارة .
أضف إلى ذلك فإنّ التربية المبكّرة والثقافة التي يحاول المجتمع اليوم زرعها في عقول الأبناء هي بمثابة ثقافة إما وإما أي إما أن تكون "أ" وإما أن تكون "ب" . إنّ هذا الفصل المصطنع لا يولّد إلا تفكيرا مفرّقا ويساهم في تشويه صورة الواقع الملوّنة ويُعيدنا إلى سنوات الأبيض والأسود والتي لم تعرف معنى الدمج ولكن فقط الفصل والمناقضة . ثمّ إن من طبيعة التفكير الإنساني أنّه إذا استبق في فكره شيئا معينا قبل مواجهة الواقع أو إذا آمن بشيء فإنّ ذلك سوف يؤثّر على التفكير الموضوعي والرؤية الموضوعية لواقع الحياة وهذا يعكس بدوره محدودية الفكر الإنساني وصعوبة تحرّره من الإيحاءات الأوّلية لذلك فإنّ من يعتقد بوجود واقع أسود وأبيض فإنّه سيراه في الواقع وإن كانت أعينه ترى باقي الألوان ولكنّ للوعي الإنساني محدودية . هذا النوع من التفكير نلمسه بشكل واضح عند الفصل بين الدين والحياة اليومية مع أنّ هذا النوع من التفكير هو من إبتداع المجتمع لأنّ الدين الإسلامي في جوهره شامل ويمس جميع أطراف الحياة فترى الناس يستبعدون أعمالا مباحة كثيرة عن الشخصية المتديّنة فيقولون لك هل يعقل أنّ هذا "الشيخ" يلعب الكرة أو يُضيع وقته في رسم لوحات أو تطوير موهبة موسيقية ؟! أو ترى من يعتبر نفسه شخصية غير متديّنة يقول لك هذا الدين لأُناس معينين وليس لأمثالي فأنا لا تُقبل منّي أي صلاة أو قُربة ؟! صحيح أنّ الإيمان والكفر لا يجتمعان في قلب واحد ولكن طالما نحن في دائرة المباح فإدعاؤنا ينادي بعدم الحصر والقصر وليس النفاق أو المراءاة لا سمح الله .
نقطة إضافية قريبة من سابقتها تتمحور حول إلصاق صفات وأوصاف لأشخاص من فئة معينة والتي تكون في غالبية الأحيان عامة أكثر من صدقها لأنّ منطلقنا هو أنّ التعميم من العمى ولكن ما يزيد السوء سوءا هو عندما تكون هذه الأوصاف من نسج الخيال ولها أهداف خفية كتحطيم فئة معينة أو إلغائها من الوجود . مثال حي على هذا هو أنّه هناك فكرة سائدة في المجتمع تدّعي أنّ من يذهب إلى المساجد لأداء الصلوات هم كبار السنّ وضِعاف العامة وشاب "معقّد" و"أصحاب اللّحى" وغير ذلك من فكر مدسوس لإضعاف الوسطية وتعظيم قطبية التديّن ومثال آخر هو ترسيخ فكر غربي في عقول شباب وشابات هذه الأمة فترى الشاب قد وصل إلى قناعة أنّ الشاب المثالي هو من يبتعد قدر الإمكان عن التديّن ومن أخذ يعاكس الفتيات وأمسك بسيجارته وجلس في المقاهي ليشاهد مباراة كرة قدم وسمّ الأرجيلة يرقد في أحشائه والشابة تراها تلاحق الموضة بلباسها وهمّها الأوّل كسب إعجاب شاب وسيم لكي تضمن مستقبلها الزاهر فهذه هي الشابة المثالية . والحقيقة أنّه على كل عاقل وعاقلة أن ينتعل حذاءا باخسا فيدوس بكلا رجليه على هذه الأفكار ويبصُق عليها من ماء الفم ويرمي بها بأقرب مزبلة في التاريخ .
أمّا فيما يتعلق في ظاهرة العبور من القطبية إلى القطبية كإنتقال شخص من التطرّف الديني إلى الإنحلال الخُلُقي أو العكس فوجود هذه الظاهرة مربوط بمحاولة الإنسان ربّما التخلص من عالمه السابق والذكريات المؤلمة إلى عالم ضدي لا يمُتُّ بصلة إلى العالم السابق وهذا الإنتقال المُفاجئ في ظاهره عادة ما يكون مرتبطا بحدث يشكّل نقطة تحوّل في حياة الإنسان . وربّما يكون هذا الإنتقال من القطب إلى القطب لشعور يصيب الإنسان بأنّه لطالما قصّر في جانب معين وعندما تجلّت أمام الإنسان صورة مختلفة للعالم وأيقن أنّ حياته السابقة كانت مجرد تُرّهات لم تقدّم أو تؤخّر عمل بالنقيض لإشباع النقص السابق وعندها وفقط عندها كما يعتقد البعض تحدث الموازنة .
خلاصة القول , إذا نظرت في الكون ترى البحار بمدّها وجزرها وترى الشمس بشروقها وغروبها وترى كمّا هائلا من الألوان في الطبيعة يصعُب عدّها فإنّ كلّ ذلك يدلّ على وسطية الإسلام ويُخرجنا من دائرة الأوهام والأحلام ومن كلّ فكر قطبي ضيّق لا ينبغي له أن يكون إلى دفء الوسطية وسماحتها وسكينتها .

بسم الله الرحمان الرحيم
كنت قد عرضت في الأيام الماضية أمام ناظريكم ملف بعنوان : "هكذا فهم الغربيون معنى السعادة الحقيقية" وقد أكدت حينها وما زلت أؤكد أنّ هذا ليس ترويجا وافتخارا بفلسفة الغرب الإباحية وإنما انتقيت لكم من بين كل علومهم الدنيوية ما ينفع أمتنا العربية والإسلامية وبالتحديد من علم النفس . وقبل أن أبثّ لفضاءكم هذه المعلومات كنت قد تعمّدت إبهاركم بها ليكون الآن مدى إنبهاركم أكبر وأعظم وأشمل لأنّ كل ما قد قيل اليوم هو جزء من تاريخ مضى عليه أكثر من أربعة عشر قرنا بمعنى أنه ليس من جديد الكلام ولا يعد اكتشافا حصريا ولذا كان من الحري بنا أن نعيد النسب لمن سطّر وسجّل السبق العلمي . لا شكّ أنكم عندما تقرئون هذه الكلمات قد فهمتم القصد ولكن إحتراما وتبجيلا منا لحضارة الإسلام لا بدّ وأن نذكر اسم معلّم البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه والصالحين ممن تبعوهم فهم من جاؤوا برأس الفكر وأغلى القيم وأسمى العلوم والحضارة البشرية والأندلس في حين كان الغرب يتخبّط في ظلمات التخلّف والجهل .
إن السعادة يا أيها الإنسان وُضعت بين يديك منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ولكن السؤال الذي يُطرح هل وجدتها ؟! هل بحثت عنها يوما ؟! هل حاولت التنصّل شيئا من الزمان من ثقافة الغرب السائدة في أيامنا لتسبر أغوار السعادة من بين يديك ومن تاريخك الذي لطالما تغنّيت به ؟! إن كنت لم تفعل فإني لا أذمك ولكني أذم كسلك وسهوتك وغفلتك , وإن كنت فعلت فإني أمدح كلامي هذا بجدّك وعملك الدؤوب .
إذاً هل تكلّم الإسلام حقاً عن السعادة ؟! هذا هو السؤال ولكن من ثقافتنا نعلم أنّ من ادعى فعليه البينة وها أنا ذا أضع بين أيديكم أدلة تتكلم بنفسها فقد قال الله تعالى في محكم تنزيله :
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) – جزء من آية رقم 97 من سورة النحل .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : "بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة , وقال ابن عباس : انها هي السعادة" .
وقال تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) ..( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ) – جزء من الآيتين 123 و 124 من سورة طه .
وقال ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين : "( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة , ومعنى معيشة ضنكاً أي ضنكاً في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعّم ظاهره .  وجاءت أيضا بمعنى : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه" .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح".
ما نلاحظه أنّ الإسلام فهم معنى السعادة بشمولية أكثر وبعقل أكثر تفتّحا ولم يحصر ولم يقصر السعادة على هذه الدنيا الزائلة والزائل نعيمها ولكنّه نظر إلى ما بعد الموت وشملها تحت هذا المصطلح الواسع . كثيرون سيقولون أنّ الغرب لم يشمل هذا المعنى الإضافي تحت سقف مصطلح السعادة لأنه ليس بالإمكان إثبات وفحص تلك المناطق البعيدة عنا أي ما بعد الموت ولكن أقول إنّ العجز البشري لا ينبغي أن يجبرنا أن نلغيَ جزءا من الحقيقة لبيان كمال الفهم الإنساني فإن الحقيقة المرة خير من الوهم المريح وقدرات الإنسان محدودة لا محالة.
وكيف ظهرت العوامل المرتبطة بالسعادة في النصوص الدينية قبل أكثر من أربعة عشر قرنا ؟
كنا قد قلنا أنّ أول عامل هو شخصية الإنسان حيث أنّ الأشخاص السعداء هم منفتحون أكثر وأقل عصبية . هؤلاء أشخاص مع ثقة عالية بالنفس وهم متفائلون أكثر .
كثيرة هي الآيات والأحاديث التي تتحدث عن هذا ولكن ننتقي جزءا منها دون تفصيل مسهب :
أولا : قال الله تعالى : ) وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) – آية 77 من سورة القصص . آية شاملة تحوي على تفائل وأمل في أولها ( الدار الآخرة ) , عيش الحاضر بسعادة بعد ذلك ( الدنيا ) , الإحسان إلى الخلق وهذا هو الإنفتاح بعينه , وأخيرا لا تفسد في الأرض ومع الخلق وهذا هو نبذ العصبية بعينها .
ثانيا : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) أو كما قال . يقول د. يوسف القرضاوي في تفسير معنى القوي كما ورد في الحديث : "المؤمن القوي ... القوي في شخصيته، القوي في إرادته، القوي في تفكيره، القوي في بدنه، كل أنواع القُوة مطلوبة من المسلم؛ لأن الإسلام هو دين القُوة، دين الجهاد، دين العزَّة والكرامة، فهو يُريد لأبنائه أن يكونوا أقوياء ..." .
العامل الثاني من العوامل المرتبطة بالسعادة كما نقلت سابقا هو العلاقات الإجتماعية حيث أنّ العلاقات الإجتماعية القوية والجيدة مرتبطة بشكل قوي مع السعادة . الدين الإسلامي هو دين الإجتماعيات فهو يحثّ عليها ويريدها لبناء مجتمع متكاتف ومترابط . نجد هذا الحضّ في النصوص الآتية :
أولا : قول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10). وقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) (المائدة:2). وقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (آل عمران:103).
ثانيا : روى البخاري و مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه، من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته، و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، و من ستر مسلم ستره الله يوم القيامة " .
وغيرها الكثير من الأحاديث والآيات التي تحث على الإحسان إلى الناس وتعميق العلاقات الإجتماعية ومساعدة الفقير والعطف على المسكين وكفالة اليتيم وبر الوالدين وصلة الأرحام والأقارب وزيارة المريض والسلام على المارين واتباع الجنائز والإيثار والكرم وحسن الضيافة والإستقبال وغيرها من الآداب والأعمال الكثير ولكنّي حاولت أن أعرض أمامكم صورة عامة لهذه المعاملات .
بالنسبة لما عرضته بما يتعلق بحقيقة أنّ الدعم الإجتماعي مرتبط بطول العمر فقد حثّ الإسلام على تقديم الدعم الإجتماعي وزيارة المرضى . يقول عليه الصلاة والسلام: "حق المسلم على المسلم ست" قيل: وما هن يا رسول اللّه ؟ قال: " إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتّبعه".
وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني ! قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ".
الإسلام عندما يحضّ على زيارة المريض فإنّ ذلك ليس عبثاً أو صدفة وإنّما لأهمية الزيارة وما تتركه من أثر إيجابي على المريض وتجعله يشعر أنه ليس وحيداً وإنما من حوله أناس يحبّونه ويرجون شفائه فهو بمثابة دعم نفسي للمريض ومن الطبيعي أن يزيد من احتمالات الشفاء وبالتالي يساهم في إطالة عمر الإنسان .
العامل الثالث المرتبط بالسعادة كما نقلت سابقا هو تحقيق الذات والدليل على ذلك :
أولا : قال تعالى: ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) (الأحزاب:23) . قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) " أي وما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه " .
ثانيا : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) . وقوله عليه الصلاة والسلام : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " .
في كل هذا إشارة إلى أنه من وضع هدفا أمام عينيه فلا بدّ أنّ يحافظ على حلمه في تحقيقه فلا يتنازل بسهولة عن مراده ولكن يبقى مثابرا حتى آخر خطوة .
العامل الرابع المرتبط بالسعادة كما نقلت سابقا هو قيمة في الحياة . لا شك أنّ الإلتزام بما أمر الله به والإجتناب عما نهى عنه هو منهج السعادة فالكل يتّفق أنّ الدين هو منبع الآداب والأعمال الصالحة التي تبقى خالدة بعبور الإنسان من هذه الدنيا كما أنّ الإنسان المؤمن يشعر أنّه بعبادته هو يشكر الله ويحمده على جميل فضله وامتنانه بأن منحه حقّ الحياة ونعماً أخرى كثيرة لا تعدّ ولا تحصى . بالإضافة إلى ذلك فإن مساعدة الآخرين هو أحد أهم الأشياء التي مدحها الشرع الحنيف ولا حاجة للتفصيل كثيرا في هذا المجال . قال تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ، وبذى القربى واليتامى والمساكين، والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم , إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) .
وهذا والله تعالى أعلم وأحكم ...