علم نفس

مدونة تعنى بعلم النفس, يحررها محمود زيد

منذ أن يُنهي الطالب العربي تعليمه الثانوي يخرج إلى محيط يرفض أن يستوعبه ويحتويه , فتراه يبحث عن عمل ليجمّع نقودا قليلة علّه يفلح في تمويل تعليمه الجامعي في السنة الأولى وربما الثانية إن أمكن ولكنّ إيجاد عمل معقول ليس بالأمر الهين , ولكنّ الطريق ما زالت طويلة فيبدأ هذا الطالب بالتفكير في تعلّم الطب , وإذ به يصطدم بتحديد لعمر القبول في أغلب الجامعات فيسجّل للجامعتين الخارجات عن هذا التحديد وهما الجامعة العبرية في القدس والتخنيون , وإذ بعقبة أخرى أمامه وهي القاصمة في أغلب الأحوال وهي سلسلة مقابلات تستمر لساعات طويلة في يوم واحد , هذا طبعا كله بعد ضمان علامات تلامس سقف السماء في شهادة البجروت وإمتحان البسيخومتري . بعد هذا العناء هناك أربع حالات متوقعة : الأولى أن يُقبل الطالب وهو إحتمال شبه مستحيل , الثانية أن يُرفض فيتقدّم مرة أخرى في السنة القادمة , الثالثة أن يُرفض فيغيّر موضوع التعليم , والرابعة وهي الأكثر إنتشارا وهي أن يخرج ليحقق حلمه الطبي خارج دولة إسرائيل . فما هو غرض هذه الدوامة ؟! وهل هي تنمُ عن حكمة معينة ؟!
إذا أردنا أن نتحدّث عن تحديد جيل القبول للجامعات , فلماذا هذا التحديد ؟! وهل هو وفقا للمعايير النفسية المعروفة ؟! دولة إسرائيل تتغنى بأنها في تحديدها الأعمار فإنها تحاكي الدول المتحضّرة , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل التقليد الأعمى هو الصواب أم هل هي حجة أقبح من ذنب ؟! علاوة على ذلك , فإنهم يدعون أنّ الشاب حتى جيل معين لا يكون ناضج بشكل كاف ولا يكون منخرط في الحياة العملية . في هذه النقطة بالذات يمكن أن يكون إدعاؤهم فيه شيء من الصحة ولكن ما هو السبب في ذلك ؟ الجواب هي تربيتهم الرقيقة , وسيأتي التفصيل إن شاء الله . لكن هل علم النفس الحديث يتّفق مع تحديد جيل القبول بسبب عدم النضوج النفسي ؟!
وفقا لعالم النفس بياجيه وبحسب نظريته للتطور الذهني فإنّ المرحلة المتقدمة في التفكير تظهر من جيل 11 فما فوق , حيث يصبح التفكير منطقي وغير محسوس ويصبح الإنسان قادرا على فحص فرضيات بصورة مركبة ومنظّمة ويصير يفكر في أفكار مجرّدة ومثاليات وتفكير بالمستقبل . في هذه المرحلة أيضا ينشغل الإنسان بمعضلات أخلاقية ( דילמות מוסריות ) وبالتفكير بالقيم مثل الحرية والصدق على مستوى كل المجتمع . فرويد وضع خمسة مراحل لتطور الإنسان ولكنّ النقطة الملفتة للنظر أنّه شدّد على التطوّر الأولي وعلى السنوات الأولى لحياة الطفل بحيث أنّ شخصيته تكون كاملة في جيل الثامنة عشرة , كذلك عالم النفس بولبي ومن خلال نظرية "الإتصال" ادعى أنّ إنشاء رابط إجتماعي آمن مع الطفل هو الأساس للتطوّر السليم ومثله قال عالم النفس وينيكوت . لذا يمكن الإستنتاج والقول أنّ علم النفس اليوم يركّز على التطوّر في السنوات الأولى وعلى التربية المبكرة , ولا نكاد نجد تيارا أو نظرية تتحدث عن قفزة نوعية من جيل 18 حتى جيل 20 . لا شك أنّ هناك تطوّر معين خلال سنتين ولكن يمكن القول أن التطور يستمر طول الحياة وذلك بسبب عامل أساسي ومهم وهو الذي يميز بين إنسان عمره 18 سنة وإنسان عمره 40 سنة وهو كمية التجارب الحياتية ( ניסיון חיים ).
في الجانب الأول سنركّز الحديث لماذا هذه السياسة غير منطقية ولا تتماشى مع إستناتجات علم النفس . أولا , هم يدعون أن الشاب يحتاج لفترة حتى ينضج ولكن السؤال الذي نطرحه هنا : كيف عرفتم أنّ جيل النضج هو جيل العشرين ؟! وهل بحوزتكم أبحاث علمية تثبت وجود جيل محدّد وغير قابل للتغيير للنضج ؟ ثم إنّ هناك إختلاف في قدرات الإدراك والتفكير والمهارات الإجتماعية وبنية الشخصية بين أبناء نفس الجيل , فلماذا ينتظر الطالب المتفوق في كل المجالات الإجتماعية والتعليمية وقتا لا معنى له , افتحوا المجال لهذا الطالب وسيريكم قدراته وعندها تحكمون عليه . بالإضافة إلى ذلك , كيف يدّعون أنّ جيل النضج عند الذكر هو ذاته عند الأنثى ؟! الأبحاث أثبتت أنّ هناك فروقا بين مبنى المخ عند الجنسين , وكذلك كلنا يعلم أنّ النضج عند الأنثى يكون عادة أسرع من عند الذكر لذلك فلربما يجب تحديد جيل مختلف للإناث .
ثانيا , إذا كانوا يدعون أنّ أصغر طالب طب يجب أن يكون 20 سنة , فلماذا في مواضيع أخرى علاجية مثل التمريض , علم النفس , صيدلة ومواضيع أخرى كثيرة لا يوجد تحديد للجيل ؟ هل مهنة الطب هي فريدة من نوعها ؟ إذا كانت كذلك أثبتوا لنا , لأنّ البينة على من ادعى وهذا أحد أسس البحث العلمي كذلك . ثالثا , لماذا في بعض الجامعات هناك تحديد للجيل وفي جامعات أخرى لا يوجد تحديد للجيل ؟! هذا إن دل على شيء فإنما يدل على سياسة عنصرية عشوائية تحاول منع الطلاب العرب من الوصول إلى مقاعد الطب بسهولة , فهل يُعقل أنّ طالب الجامعة العبرية مُهيأ لدراسة الطب في حين أنّ طالب جامعة تل أبيب يحتاج لفترة حتى ينضج ؟! وهل يُعقل أنّ هناك حالات نفسية مختلفة في نفس الدولة ولذا نجد اللا توافق بين الجامعات ؟! هذا يقول إذاً أنّ هذا التحديد لا ينبع من فقدان الجهوزية النفسية وإنّما لأسباب سياسية كما يبدو .
رابعا , ظاهرة تحديد الجيل هي أكثر وسعا مما نتخيّل وهي لا تنحصر فقط في التعليم ولكن يمكن أن نصادفها في كثير من إقتراحات العمل وأحيانا كثيرة يكون الجيل المحدّد أكبر , وكثيرا ما نستصعب ويستحيل على العاقل أن يجد علاقة منطقية بين العمل وتحديد الجيل , وأحيانا أخرى تُضاف إلى هذه العقبة عقبة قاصمة أمام الشاب العربي وهي الخدمة في الجيش وبذلك وكأنّهم يقولون لا نريد عربا في هذا العمل .
لكن الجانب الثاني للقضية هو هل الطلاب العرب مؤهلون فعلا للدخول إلى الجامعات في أي موضوع كان وليس حتما في موضوع الطب ؟ إن كان طلابنا فعلا مؤهلين فلماذا نشهد ظاهرة تسرب لا مثيل لها في العالم العربي عادة ؟ ولماذا يشهد الطالب العربي صعوبات لا حصر لها في سنوات التعليم وربما رسوب سنة أو أكثر ؟ المشكلة الأولى هي في نظام التعليم المدرسي الرقيق فليس هكذا هم أحفاد محمد ! الطفل يبقى طفلا حتى جيل متأخر نسبيا وربما هذه إحدى تأثيرات التربية الروسيانية* , فيبقى يشاهد أفلام الكرتون ويضحك ويمرح ويلهو دون تنمية الشخصية الإسلامية , العقلانية , والقيادية فيه منذ الصغر , وبذلك يتخرّج الطالب العربي من ثانويته مع تفكير سطحي غير نقدي وغير منتج , وربما يكون ساذجا وبريئا بعض الشيء . هذا النظام التعليمي هو ليس من بنى القادة الشباب أمثال أسامة بن زيد وليس هو من يبني الرجال البواسل . ولكنّ المشكلة التي تُضاف إليها هي أنّ التربية المحيطة بالطالب ( العائلة مثلا , حركات إجتماعية وإصلاحية ) في أغلب الأحيان لا تعوّضه النقص المدرسي , فيصل الطالب إلى السنة الأولى الجامعية فيصيبه وابل من الصدمات وربما لا يستطيع الصمود أمامها , ويدخل برجله اليسرى وهو ضائع بين تخصص وآخر . لكن يجب أن نؤكّد أنّ هذه المشاكل الموجودة عندنا هي أيضا من صنع النظام الإسرائيلي ولذا فلا يحقّ لهم أن يستعملوها كحجة واهية لتحديد جيل للقبول , وبالمقابل واجبنا أن نعي هذه التربية الرقيقة فنقطع الطريق على كل من يدّعي أنّ الطالب العربي يحتاج إلى فترة من النضوج .
لذلك المشكلة الجوهرية تكمن في أنّ النظام العربي والإسلامي لا يتلائم مع النظام الإسرائيلي رغم كل هذه السنين من محاولات التوفيق بين الإثنين . وفقا للنظام العربي والإسلامي , فإنّ الزواج هو المؤسسة الشرعية الوحيدة ولا يوجد مصطلح "الصديقة" , وبما أنّ الزواج في هذه الأيام مرتبط عادة بعرض عدد من الممتلكات ( مثل شهادة جامعية أو مهنة مستقرة , بيت جاهز وغيرها ) على أهل العروس حتى يقبلوه زوجا لإبنتهم , فهنا يحدث الصراع لأنّ النظام الإسرائيلي هو نظام يعمل على مهل أما الإنسان العربي فإنه منشغل في ترتيب أموره للسير وفقا للمتّفقات الإجتماعية وهي الزواج , أما كثير من أبناء الشعب اليهودي لا يهمهم متى ينهون تعليمهم ومتى يتزوجون لأنّ الصديقة حاليا تكفيهم ولذا فإنّهم ليسوا في ضغط مستمر .
أما فيما يتعلق بمقابلات الطب ( المور والمركام ) فهي تزيد الطين بلة ببساطة , وهي بدعة إستحدثتها دولة إسرائيل لكي تنخّل الطلاب المتسجّلين للطب ولتمتلك القوة في التحكم بمصير كل طالب وبمصير كل فئة . على سبيل المثال , إمتحان المور يتكوّن من قسمين أساسيين : الأول يوم خاص بتعبئة إستمارات والثاني يوم خاص لسلسلة مقابلات . القسم الأول ينقسم إلى قسمين أيضا : الأول وهو إستمارة عن حياتك الشخصية والثاني وهي إستمارة تحوي مُعضلات أخلاقية ( דילמות מוסריות ) . أما قسم المقابلات فيتكون من ثماني محطات : قسم منهن مع مجموعة وقسم لوحدك في مقابلة وجها لوجه وقسم آخر لوحدك مع ممثل يستدعي منك أن تمثّل معه ( סימולציה ). بعد الإمتحان بشهر تقريبا يبعثون لك إجابة إما بالقبول أو الرفض أو الإندراج في قائمة الإنتظار , ولكن السؤال الذي يُطرح هو كيف سيعرف الطالب أين نقطة ضعفه وأين كانت مشكلته إن كان الإمتحان يحوي كل هذه المركبات والجواب لا يحوي علّة عدم القبول ؟! هل هذه تجارة بأموال الناس علما أن تكاليف الإمتحان تزيد عن الألف شيكل أم أن هذه سياسة للماطلة بمصير الطالب العربي علما أنّ الإمتحان هو سنوي ؟!
ثانيا , السؤال التالي هو ما هو مدى قدرة هذا الإمتحان على تنبّؤ قدرات الطالب ( מהימנות של המבחן ) وإمكانيات نجاحه المستقبلية ؟ من المعروف أنّ هناك أخطارا كثيرة تحيط بأداة المقابلات منها : الطابع الأولي ( רושם ראשוני ) وهو الطابع الذي يتلقّاه الممتحن من أول نظرة ولكن كثيرا ما يكون مُغّلطا لأنّ الطالب في أول دقيقة يكون ربما مرتبكا وإما لم يدخل بعد في جو المقابلة . بالإضافة إلى ذلك , كل العوامل التي تحيط بالممتحن والتي يمكنها أن تؤثّر على مزاجه من شأنها أن تغيّر النتائج , فمثلا إن انكسرت كأسا في وقت المقابلة فإنّ عصبية الممتحن تؤثّر على نتائج التقييم وربما على نفسية الطالب نفسه , ومثال آخر هو إذا كان الطالب السابق أحسن قدرات فإنّ ذلك يجعل التقييم نسبي للسابق فيأخذ تقييما أقل إن كانت قدراته أقل من سابقه .
ثالثا , مشكلة أساسية تواجه الطالب العربي بالذات في مثل هذه المقابلات هي عدم التمكّن من الحديث باللغة العبرية بطلاقة , وعلى كل حال مهما بلغت قدرة الطالب العربي في الكلام فإنّها لن تتجاوز مستوى لغة الأم . هم يدعون أنّ اللغة لا تؤخذ بالحسبان عند التقييم ولكن نقول أنه يكفي التأثير النفسي للغة , فعندما يشعر الطالب العربي أنّ الآخرين يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسلاسة فإنّ هذا يعمل حاجز خوف وربما يحطّم آمال الطالب من البداية . أضف إلى ذلك , فإنّ الثقافة اليهودية ( תרבות ) والعادات تختلف عن الثقافة العربية ومن أجل فهم ثقافة الغير يحتاج الطالب لمعاشرة الشعب الآخر وقتا يسيرا .
ومن هنا يمكن التلخيص بأن نقول , أنّ هذه العقبات الثلاث "تحديد جيل القبول حتى العشرين , المور والمركام" لا تحظى بتأييد في عالم النفس بل عليها إمتعاضات كثيرة , وهي تنمُّ عن تمييز وتفضيل لصالح أبناء الشعب اليهودي , ولكن يجب الإنتباه أيضا إلى جهوزية الطالب العربي للتعليم الجامعي .

1 تعليقات:

Harrah's Reno Casino & Hotel - Mapyro
Harrah's Reno 경상북도 출장안마 Casino & 공주 출장안마 Hotel, Reno Nevada. Mapyro is 동해 출장마사지 a part 파주 출장샵 of the Reno-Tahoe Convention 포천 출장마사지 and Visitors Bureau.

Post a Comment