علم نفس

مدونة تعنى بعلم النفس, يحررها محمود زيد



لقد يسّر الله لي مؤخّرا أن أشترك في دورة تحضيرية من أجل الحصول على موافقة لإجراء تجارب على فئران وجرذان، وفي حقيقة الأمر لقد كانت تجربة مُذهلة يشعر من خلالها الإنسان بقيمة إنسانيته الراقية. إنّ التربية الإسلامية التي انحدرت منها لطالما حثّتني على الرفق بالحيوان وعلى معاملته بالُحسنى، وتحضرني قصة تلك المومس التي سقت كلبا وقصة تلك التي عذّبت قطة ومصير الجنة للأولى والنار للثانية. لكنّ ما شدّ انتباهي هي تلك الرّقة في التعامل مع الحيوانات التي هي من فصيلة القوارض والتي تُعتبر عند الناس من الكائنات المُؤذية ذلك أنهم ينصبون الأشراك للقبض عليها، ولكنّ الفئران التي نتعامل معها هي فئران المختبر، فما إن بدأنا اللقاء الأول حتى راح الطبيب البيطري يُداعب الفأر ويُسهب في التشديد على راحته، مع أنه كائن صغير جدا وقد يتبادر إلى الذهن أنه لا يحس شيئا. بدأ الطبيب في سلسلة من العمليات أجراها أمامنا على فأر واحد لكي يسهل علينا تطبيقها لاحقا على فأر آخر بأنفسنا، وفي كل خطوة راح يعيد نفس الجملة حتى صارت لازمة: يجب أن تنتبهوا إلى راحة الحيوان، علينا إنجاز العمل مع أقل ألم ممكن!

يا الله، أقل ألم ممكن! إنها محاولة لإختلاق توازن بين المتناقضات، فمن جهة هناك حاجة لتطوير العلم وإضافة أبحاث جديدة إلى سجل الموجود، ومن جهة ثانية هناك أوامر صارمة تصدر من لجان مراقبة تُدعى لجان الأخلاق (ועדות אתיקה) لإتمام التجارب في أنجع صورة. أخذ ذاك الطبيب يُعطي إرشادات تُظهر الرقة الإنسانية تجاه هذه الكائنات المحكومة، مثل: لا تُباشروا العمل قبل التأكّد من أنّ الكائن مخدّر تماما (هناك خطوات بسيطة يمكن تنفيذها بدون مخدّر)، لا تُمسكوا الفأر من طرف ذنبه لأنّ هذا يوجعه، حافظوا على مصدر دفء قريب من الحيوان وقت التخدير، انتبهوا إلى نبضات القلب، انتبهوا إلى أن التخدير ما زال عميقا وفقا للحاجة، في نهاية التجربة يجب التأكّد من أن الحيوان فارق الحياة ولذا يجب فصل القلب عند الجرذان، وفصل الرقبة عن الجسد عند الفئران بسرعة وبإتجاه معين لئلا يطول زمن الألم، والمزيد من التعليمات التي لا ينبغي مخالفة إحداها.

إنّ هذا يُوصلنا إلى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي سطّره قبل أكثر من أربعة عشر قرنا عندما قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". هي رحمة الإسلام تنتقل اليوم إلى غيرنا ولربما نفقدها نحن، ولذا نقول أنه من الواجب أن لا نحصر إنسانيتنا في التعامل مع بني البشر وإنما يجب أن تتعدّاها لتلامس تلك الحيوانات الرقيقة، وبذلك يجب أن نلقي إنسانيتنا على كل كائن حي. 


0 تعليقات:

Post a Comment