علم نفس

مدونة تعنى بعلم النفس, يحررها محمود زيد


مين، إنتا مين، تاتيجي و تحاول تغيّرني، تا أرضيك"
منا مبسوط فحالي، سيبني أعيش حياتي غير طبيعي

وين، قلّي وين، بتلقا في بني آدم سليم، مستحيل
ما كلنا ممزوجين، لسّاتنا فطفولتنا عايشين، مرعوبين

ليش، قلّي كيف، منضلّ نحكي فأخطاء ناس تانيين، والله عيب
ما كلنا فينا بلاوي، بأمراضنا النفسيّة مهوسين، إنت مين

ياريت، بس يا ريت، نرجع زي هاي الطفلة نعيش، ببراءة
"والحياة آخر همنا، نرجع نتربى من أول جديد، من دون تهديد



إن كلمة "الطفولة" ترتبط عند أغلب الناس بالبساطة والسذاجة ولربما هي ترتبط مباشرة بالبراءة، وعندنا يمكن أن ترتبط أيضا بقلة الحيلة وقلة العقل (في مجتمعنا يقولون إذا أخطأ الولد: دعه فما زال جاهلا!). وما إن يدخل الولد في مرحلة المراهقة حتى يجرّه المجتمع بأسرع الطرق من أجل الدخول في معارك الحياة الكثيرة، فينتقل الطفل من عالم بسيط، نواياه حسنة إلى عالم مُركّب، يستدعي اليقظة والإنتباه لأنّ المكائد كثيرة، وأضرب أمثلة مثل: منذ الصغر يتم تلقين الطفل أن الكذب حرام ونأتيه بالقصص التي تبيّن عاقبة الكاذب ونأتيه بآيات قرآنية وفصول من التوراة والإنجيل، ومن ثم عندما يصل إلى مُعترك الحياة، يخبره والده الذي يملك مصلحة تجارية أنه لا يجب أن يُظهر جميع أرباح المحلّ حتى لا يدفع كل الضريبة المطلوبة، وكذلك إن سئله شرطي وقال له: هل كنت تقود السيارة مع حزام أمان، فإن مجتمعنا يوحي إليه أن أكّد ذلك بالإيجاب وإن لم يكن صحيحا حتى تفرّ من عقوبة الشرطي، وعندما تذهب العائلة إلى مدينة "الملاهي" فإن الأب يوصي ابنه الذي تعدّى سنا معيّنا بأن ينكر ذلك حتى لا يدفع عند الدخول! ومن ثم يأتي البعض فيحصر تفكيره في كذبة الأول من نيسان مع أن المسألة هي أكبر وأوسع.

أما البراءة فإنها تنعكس، على سبيل المثال، عندما يفكّر الطفل بالممرضة التي تعالجه على أنها وُظّفت من أجل خدمته وإخراجه من ضائقته وتخفيف ألمه، أما من ماتت فيه براءة الطفولة فإنه لربما ينزلق إلى تفكيرات جنسية بخصوص الممرضة، ولهذا كان الدين وكانت الضوابط التي وضعها الإسلام، ولكن لما ابتعد العالم عن جوهر الدين وتركوا العمل به، عندها فقدوا عنصر براءة الطفولة داخلهم أو لربما تنكّروا له. ولكن هل يمكن في هذا العصر التدبّر ببراءة الطفولة مع العالم الذي فيه من المكر، الخداع، الخبث والكذب الكثير؟

نعم إنه لمن الصعب التكيّف مع عالم مليء بالفساد الأخلاقي من دون إعادة النظر في القصد والنوايا فكل شيء وارد ومحتمل من بني البشر ولا أحد معصوم من الخطأ مهما يكن فادحا! ولكن هل هذا يعني انعدام الثقة تماما؟ بالطبع لا، لأنه عندها سيساورنا مرض الشك ولن نتقدّم في أي أمر بحياتنا. إن الطريق لمجابهة الواقع المُعاش تكمن في التبصّر بالواقع بمساعدة المنطق الإنساني، فمن جهة علينا أن نكون واعين لإمكانية وجود الشر متمثلا بالغش والخداع وغيرهما، ومن جهة أخرى علينا أن نعلم أنه مهما انتشر الشر واستفحل فإن الخير ما زال قائما وكثير من الناس طيّبون ولا يبغون الإسائة إلى الغير على الأقل.

لكن يبقى الحل الأنجع هو محاولة التغيير حتى نصل إلى الوضع الأمثل، وهو عندما يملك الجميع قلوبا مثل قلوب الأطفال وبالتالي براءة الطفولة وكذلك عقول رجال ناضجين، وبالنهاية هذا هو الذي يحثّ عليه الإسلام فذاك القلب هو المُضغة التي اذا صلُحت صلُح الجسد كله، ولا شكّ أن قلوب الأطفال هي أنقى القلوب وأطهرها ولكن ما إن ينخرط الإنسان في واقع الحياة المركّب حتى يبدأ ذاك البياض بالإضمحلال، ولذا كانت ضرورة إحيائه في النفوس. كما أن العقل المفكّر هو الذي يأخذ الإنسان إلى التفكير السوي والمنطقي وبالتالي إلى العمل الصواب. لكن علينا أن ننوّه إلى أن هذا المقال لا يُبطل قيما مثل الشجاعة والجرأة وغيرها، حيث أن القصد من وراء مصطلح "قلوب الأطفال" هو براءة الطفولة بالأساس وما تجذبه الكلمة من معاني قريبة.