علم نفس

مدونة تعنى بعلم النفس, يحررها محمود زيد


بسم الله الرحمان الرحيم

يقول ربّنا جلّ وعلا في كتابه العزيز: "إنّ الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تُنذرهم لا يُؤمنون"(البقرة،6)، أي "إن الذين جحدوا ما أُنزل إليك من ربك استكبارا وطغيانا، لن يقع منهم الإيمان، سواءً أخوّفتهم وحذّرتهم من عذاب الله، أم تركت ذلك، لإصرارهم على باطلهم". في هذه الآية يلفت إنتباهنا صعوبة التغيير والتشبث بالمعروف لنا، ولهذه الصعوبة عدة تفسيرات منها: الخوف من الجديد فلربما يكون أسوأ من الموجود حاليا، أو تسخير المبرّرات الكثيرة من أجل البقاء في الوضع الحالي وذلك من أجل المحافظة على التوازن النفسي، أو لأنّ الأمر المعروف والمُعتاد لا يحتاج إلى جهد جديد ولا يُثير الخوف. هذا الحديث يرتبط بالتربية المبكّرة والتي فيها تتكوّن النماذج (schemes)، والنموج هو مبنى ذهني يشمل تجسيد لظواهر وأحداث، فالولد الصغير يستجيب للتغيير بسهولة نسبيا للكبير، لذا عندما نتغذّى من فكر معيّن طوال فترة الصغر، فإنّه يكون عالمنا ونصير نفكّر أنه هو الوضع الطبيعي في الكون. هذا ما يؤدي إلى اختلاف وتعدّد وجهات النظر بين الناس، فكلٌ يؤمن بفكر معين ويجلب التفسيرات التي تدعم أقواله لكي يُقنع نفسه والآخرين، فترى الأديان المختلفة والتنوّع الكبير في كل دين، وغيرهم وكلهم في توازن نفسي نسبي.

الإصرار المنبوذ هو الإصرار الذي يُضيّق الفكر فلا يسمح للإنسان في أن يفكّر في البديل وفي أن يعمل لنفسه مراجعة ذاتية كذلك، أما الإصرار المحمود هو عندما تُؤمن بالفكرة على بصيرة، أي تكون قد عقلت أبعادها ومنطقها ودرست بدائلها أيضا، عندئذ يكون الإصرار مطلوبا لأنه يُساعد على الإستمرار في نفس الطريق، وبالتالي يوجّه فكر الإنسان إلى هدف معيّن مما يسنح له الفرصة بتطوير فكره. لذلك، فإصرار الكفّار الموصوفين في الآية هو إصرار مذموم، وهو لا يحتكم إلى المنطق السليم.

نقطة أخيرة بالنسبة للتغيير، هي أن المجتمع يُطلق أحكاما صارمة على من يمرّ بتغيير جوهري وكثيرا ما ينتقدون الإنقلاب الفجائي ولربما ينبذون من قرّر أن يتغيّر، لا بل ويستغرب الناس التغيير ويصفون شخصية الإنسان بالمتقلّبة والمتخبّطة، وهذه هي أحد أهم العوامل التي تصعّب عملية التغيير، إذ أن المجتمع يرى من يمرّ بتغيير جوهري كأنه معجزة وهذا كما يبدو بسبب النظر بعين الكمال إلى الإنسان.

والله أعلم ... 

0 تعليقات:

Post a Comment